أ- تعريف الوسواس القهري :
الوسواس فكرة متسلطة ، والقهر سلوك جبري يفرض نفسه على المريض ويلازمه ولا يستطيع المريض مقاومته على الرغم من اقتناعه بعدم معقوليته وعدم فائدته ، ويشعر المريض بالقلق والتوتر إذا ما حاول استبعاد الفكرة المتسلطة أو عدم إتيان الفعل القهري ويطلق على الوسواس عصاب الحصار ، حيث أن الفكرة المتسلطة تحاصر المريض ولا يستطيع الفكاك منها .
لذا ينشغل عقل المريض بأفكار غير سارة ، ويشعر باندفاعات تبدو غريبة بالنسبة إليه وأنه مدفوع ليؤدي أعمالا لا تسره ، وليس لديه القدرة على الامتناع عنها ، وقد لا يكون للأفكار والوساوس معنى في ذاتها ولكنها مع ذلك ، أفكار مثابرة ومسيطرة على عقل المريض دائما فهي نقطة البدء في تركيز فكري مجهد ينهك المريض ،ويشعره بالقلق ويتألم كما لو كان الأمر مسألة حياة أو موت وتتكون الاندفاعات في الغالب من بعض الأشياء المخفية ، حتى أن المريض لا ينكرها على أنها غريبة فحسب بل إنه أيضا يتهرب منها في رعب ويحمي نفسه بالحذر والحرص الدقيق ضد إمكانية ظهورها .
ب- الفرق بين الوساوس – والأفعال القهرية :
الوساوس / هي أفكار أو صور ٍأو مخاوف أو اندفاعات متكررة وغير مرغوب فيها.
الأفعال القهرية/ هي أفعال أو أنماط سلوكية معقدة (طقوس متكررة غير مرغوب فيها ) وعادة ما يخلط الناس بينهما لكن هناك فرق كبير بينهم كما يتضح من التعريف السابق.
جـ - وبائية المرض/
العمر: تزيد نسبة حدوث المرض في السن المبكرة إذ تبلغ نسبه حدوثه تحت سن 25سنة نحو 65% من المرضى بينما في سن 35 سنة 15% فقط من نسبة المرضى.
الجنس: يتساوى الذكور والإناث (أو قد يزيد بمعدل خفيف لدى الإناث)
معدلات الانتشار: عصاب الوسواس القهري من أقل الأمراض النفسية شيوعا فتبلغ نسبته في المجتمع 05.% فقط .
أعراض الوسواس القهري
أ- الأفكار Ideas
عادة ما تكون أفكارا متعلقة بالدين أو الجنس: وهي لا شك أفكار مزعجة يصفها المريض وكأنها قوى معاكسة داخلية تبغي إرهاقه وإزعاجه ،،، ولا يمكن بالطبع أن تكون أفكاراً طيبة أو جميلة ، وإلا لما اشتكى منها المريض ..
وأكثر الأفكار إزعاجا للمريض تلك المتعلقة بالدين خاصة إذا كان المريض متدينا، فيتشكك مثلا في وجود الله أو تسيطر عليه فكرة أن الكتب السماوية من تأليف الأنبياء أو تسيطر عليه أفكار جنسية غير معقولة.
ب- الصور Images
وهنا تسيطر الصورة بدلا من الفكرة .. صور كاملة يراها مرسومة في ذهنه صورة مؤذية تسبب له إزعاجا وضيقا وهما ، فترسم صورة عزيز عليه قد دهمته سيارة ،، أو صورته وهو يمارس الجنس مع المحارم ، وهيهات أن يتحقق له الخلاص من هذه الصورة المزعجة التي تحتل عقله يراها بعينه الداخلية وكأنها مجسدة أمامه بالألوان .
جـ- الاندفاعات Impulses
هناك من الأفعال ما يستبعد أن يفكر الإنسان في القيام بها.. كأن يقذف الإنسان نفسه من مكان مرتفع أو يلقي بنفسه أمام سيارة مسرعة وذلك لعدم وجود أي رغبة في الانتحار.. أما المكتئب الذي تسيطر عليه الرغبة في التخلص من الحياة فهو الوحيد الذي قد تطرأ له هذه الأفكار وقد تأتي بصورة رغبة اندفاعية ،، ولكن مريض الوسواس القهري قد تأتي له مثل هذه الاندفاعات ويشعر كأنه يهم بفعلها ولهذا يتحاشى الأماكن المرتفعة وقد يتحاشى المشي في الشارع خشية أن يحقق هذا الاندفاع بأن يلقى نفسه أمام السيارة المسرعة ..
د- المخاوف Phobias
وهي أيضا مخاوف قهرية لا يستطيع الإنسان مقاومتها أو التغلب عليها وكذلك لا يستطيع الإنسان التخفيف منها باستعمال المنطق ، فهو يعلم أن الأمر لا يدعو للخوف ولكنه رغم ذلك يشعر بالخوف الشديد ،، فتلك السيدة التي تتولاها الرغبة الاندفاعية لدفع السكين في صدر ابنها ، يتولاها فزع إذا رأت سكينا وصادف أن ابنها بجوارها وتجري تاركة المكان ....
الخصائص الشخصية للمريض
الخصائص الشخصية لمريض الوسواس القهري :
1- الصلابة وعدم المرونة.
2- صعوبة التكيف والتأقلم للظواهر المختلفة .
3- يحب النظام والروتين وضبط المواعيد.
4- الدقة في كل الأعمال التي يقوم بها.
5- الاهتمام بالتفاصيل في كل كبيرة وصغيرة.
6- الثبات في المواقف الشديدة.
7- التميز بالذكاء وسرعة البديهة.
8- كثرة الشك.
9- وجود بعض الأفكار الاضطهادية.
10- التعرض في طفولته لكثير من الضغوط النفسية .
11- أفكار وسواسية قهرية.
12- أفكار وأفعال وسواسية مختلطة.
13- شخصية غير مرنة .
14- المعاناة من أفعاله الوسواسية .
15- كثرة الشكوى من الآخرين وخاصة الرؤساء .
16- كثرة التصادم مع الآخرين .
ولا شك أن الإنسان الناجح يحتاج لبعض سمات الشخصية الوسواسية حتى يستطيع تنظيم ذاته، ولكن إذا زادت عن الحدود الطبيعية تصبح معرضة لصاحبها بالصدام مع الزملاء والرؤساء ومع المجتمع ككل .
أسباب الوسواس القهري
أ- الوراثة :
قد تكون للعوامل الوراثية دور هام في نشأة الوسواس القهري فقد وجد أن أولاد المرضى بالوسواس يعانون من نفس المرض وقد يتدخل العامل الوراثي مع البيئة ، لأنه لاشك أن تأثير الوالد أو الوالدة المنظمة ، ذات المثل العليا والضمير الحي الوسواسة في تصرفاتها سينعكس على شخصية أطفالها ومن هنا يتداخل الأمر هل هو ذو سبب وراثي أم بيئي ....
ب- اضطراب في تكوين شخصية الفرد:
يرجع رواد مدرسة التحليل النفسي هذا المرض إلى اضطرابات في تكوين شخصية الفرد خلال مراحل الطفولة , وقسوة رقابة ضمير الفرد لكل تصرفاته ولكن يوجد بعض الأفراد لا يصابون بذلك .
جـ- أسباب فسيولوجية :
هناك بعض العلماء يؤيد احتمال نشأة المرض من أسباب فسيولوجية وهذا ما يدعمه وجود اضطرابات في رسم المخ الكهربائي لهذا المرض , ويرى البعض أن سببه وجود بؤرة كهربائية نشطة في لحاء المخ.
علاج الوسواس القهري
السؤال الآن : هل هناك علاج ؟؟ أو يظل المريض معذبا بمرضه طوال حياته ،، هل تسوء الحالة بمرور الوقت أم تتحسن ؟؟؟ وهل يمكن أن يجن مريض الوسواس ؟؟ أو بمعنى أدق هل يتحول إلى مريض عقلي ؟؟
كل التساؤلات السابقة هي صرخات المرضى ،، والمؤمنون بالله موقنون أن لكل داء دواء ،، وخير دواء هو الإيمان ،، ويليه ما وفق الله به العلماء من الاهتداء إلى أنواع العلاج المختلفة ،، هناك حالات تشفى تماما وحالات تتحسسن وتظل تعاني من بعض الأعراض ،، ولكن المريض يستطيع أن يعيش حياة طبيعية ،، علما أنه لا توجد حياة طبيعية تماما حتى لمن لا يعانون من أي مرض ؟ كما أنه لا توجد حياة خالية من ألم ؟
أنواع العلاج
توجد أنواع متعددة من الأساليب العلاجية منها:
أولا العلاج الديني: يعتبر العلاج بالقرآن والأحاديث النبوية و الأذكار الشرعية أفضل العلاجات وأصح الأساليب للوقاية منه.
فعن ابن عباس رضي الله عنه ، أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخرَّ من السماء أحب إليَّ من أن أتكلم به ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) رواه أحمد 1-235 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) رواه البخاري 3276.
وعن عبد الله بن زيد رسي الله عنه، قال: شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحا ً) رواه النسائي 36.
ومن هنا يمكن للمريض أن يداوم على قراءة القرآن الكريم والسنة و أوراد الصباح والمساء ، ولا يسمح للشيطان في أن يستمر في مداولة الأفكار الوسواسية لديه.
ثانيا العلاج النفسي: وينقسم إلى نوعين :
أ- العلاج التدعيمي : حيث يحتاج المريض إلى التشجيع وإلى الإحساس بأن هناك من يستمع إليه ويتفهم شكواه ويطمئنه ويواسيه.
ب- التحليل النفسي : يهدف التحليل النفسي في علاج عصاب الوسواس إلى الكشف عن المعنى الرمزي للأعراض حيث يرى أنها نتيجة النشاط الزائد للضمير الذي يحاول عن طريق الطقوس السحرية المتسلطة حماية الذات من القلق .
ثالثاً العلاج السلوكي: من خلال أسلوبين :
أ- التعريض مع منع الاستجابة :
مثال: في حالات الخوف من القذارة المصحوب بالإفراط في غسل الأيدي يعرض المريض للمنبهات المثيرة لقلقة ولكن يمنع من القيام بغسل يديه.
ب- المحاكاة:
يقوم المعالج بدور النموذج الذي يمكن محاكاته وتقليده. مثال:
يلمس المعالج الأشياء التي يخشاها المريض .
رابعاً العلاج العقاقيري : ويشمل :
أ- المهدئات: في حالة الأزمات.
ب- مضادات الاكتئاب : تستخدم في حالة وجود أعراض اكتئابية .
خامساً العلاج الجراحي:
وهذا يحدث في حالات شديدة الوسواس ونادرة الحدوث ، ويقوم الطبيب بقطع الألياف العصبية الموصلة بين الفص الجبهي في المخ والثلاموس ولا ينصح بإجراء هذه العمليات إلا بشروط وهي :
1- تكون الحالة لها تاريخ مرضي طويل واستخدمت العلاجات السابقة ولم تنجح.
2- عدم القدرة على مسايرة الحياة والتأقلم مع المجتمع.
3- يجب التأكد من أن المرض وراثي أي موجود في تاريخ العائلة.
وهذه العمليات لا تلغي الوسواس ولكنها تخفف من شدة التوتر والقلق
وأخيرا ً ماذا يجب أن يفعله مريض الوسواس القهري ؟
يجب عليه أن يتبع الأمور التالية :
1- مقاومة الأفكار عن طريق ألا يلقي لها أي أهمية وأن يتبع تعليمات رسول البشرية صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وقراءة الأوراد.
2- يشغل نفسه بأي عمل هام، المهم عدم وجود وقت فراغ.
3- يجب مساعدته من المحيطين به.
4- محاولة استخدام المرونة في حياته بقدر الاستطاعة .
5- محاولة تغيير المكان أو العمل إذا كان من مسببات الوسواس .
6- محاولة الاسترخاء وعدم التوتر والشعور بالقلق الدائم .
7- عليه بالثقة في الله وأن الله هو الشافي وحده سبحانه